بعد أن يتم عقد الزواج وفق شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فحينذاك تتحول الفتاة من مجرد عنصراً في أسرة إلى مركز لتكوينها، وبعد انتقالها لمسكن الزوجية فإن حقها في النفقة ينتقل معها، ويتحول ليكون في ذمة زوجها بعد أن كان من قبل في ذمة والدها أو وليها.
وقد اتفق علماء المسلمين على وجوب نفقة الزوجية على الزوج شرعاً وقد دل على وجوبها القرآن والسنة والإجماع والمعقول.
فقد جاء في قوله تعالى : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أردا أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". وقوله تعالى : " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن". على سبيل المثال لا الحصر.
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الناس فقال : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف ". وذات المعنى ذُكر في أحاديث كثيرة.
ومن حين العقد الصحيح تصير نفقة الزوج على زوجته واجبة وذلك دون اعتبار لحالته ولو كان ميسوراً أو معسراً حاضراً أو غائباً أو مفقوداً ويكون ملزماً بالنفقة وإن أضطر للاستدانة، وفي حال تُركت الزوجة بلا نفقة فحينها تصبح ديناً في ذمة الزوج.
و(المواد 44 حتى 66) من نظام الأحوال الشخصية تناولت أحكام النفقة، والتي سنتطرق لأبرز ما جاء فيها فيما يلي:
أولاً: وجوب نفقة الزوجة على الزوج لا تكون نفقة الزوجة إلا على زوجها بغض النظر إن كانت موسرة أو معسرة مادياً، ويكون ذلك بموجب عقد الزواج الصحيح، وبعد أن تكون قد مكنته من نفسها سواء حقيقة أو حكماً، وهذا هو الشرط الذي لا تستحق الزوجة نفقة شهرية بدونه، وعلى الزوجة يقع عبئ إثبات ذلك.
ثانياً: مشتملات النفقة تشمل النفقة كل مما يلي :
ثالثاً: نفقة مجهول الأبوين تلتزم الدولة بالإنفاق على مجهول الأبوين، إن لم يكن له مال ولم يتبرع أحد إليه.
رابعاً: الأمور المرعية عند تقدير النفقة يجب أن يُراعى عند تقدير النفقة ما يلي :
فإن كانت الحالة المادية لكل من الزوج والزوجة مرتفعة فيكون على الزوج أن ينفق على زوجته بمثل ما عليه حالها وحاله. ولكن إن كان الوضع المالي للزوج والزوجة متدني فحينها لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وعلى الزوج تجب النفقة بحسب ما عليه وضعهما. ولكن إن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فحينها تكون النفقة وسط بين حالهما، وذلك دون اعتبار أن كان الزوج هو الموسر أم الزوجة هي المعسرة أو العكس. فليس للزوج حق أن يمنع زوجته عن كل أو بعض حقوقها في النفقة، وفي حال أقدم على ذلك فيكون للزوجة الحق في اقتطاع جزءاً من ماله - إن استطاعت - يكفي لها حاجتها بغير إسراف.
خامساً: دعوى تغيير قيمة النفقة من الممكن رفع دعوى زيادة أو انقاص لقيمة النفقة إذا تغيرت الأحوال المادية للزوجة أو للزوج أو للاثنين معاً، ويتعين أن تُرفع الدعوى قبل مرور سنة من تاريخ صدور الحُكم بالنفقة حتى تكون الدعوى مسموعة نظاماً. وفي حال حدوث ظروف استثنائية فللمحكمة سلطة تقديرية قد تسمح لها بسماع تلك الدعوى وإن مر أكثر من عام على تاريخ صدور الحُكم بالنفقة.
سادساً: صور النفقة النفقة يُمكن أن تكون نقداً، ومن صور الإنفاق أيضاً أن يتيح الزوج لزوجته المال في صورة منفعة من المنافع كمحل تجاري يجلب لها دخلاً شهرياً، أو عين من الأعيان كحديقة تستفيد منها.
سابعاً: ميعاد استحقاق النفقة المستمرة النفقة المستمرة هي ما يتعين على الزوج أن القيام بإنفاقه على زوجته بعد الطلاق وإلى أن يكبر الأبناء، وتكون مستحقة للزوجة والأولاد والوالدين من تاريخ إقامة الدعوى للمطالبة بها، وبخلاف النفقة الماضية التي تعتبر ديناً ممتازاً يُقدم على سائر الديون. ويُمكن تعريف النفقة الماضية بأنها : ما أنفقته الزوجة أو من يعولها على نفسها – قبل الطلاق – على نفسها أو أبنائها لعدم قيام الزوج بالنفقة عليهم مع شرط نية المنفق بالرجوع على الزوج. وسلطة المحكمة تقديرية عند نظرها دعوى متعلقة بنفقه مستمرة، فيحق للمحكمة أن تقضي بنفقة مؤقتة لمستحقها بناء على طلبة دون وجوب حضور الطرف الآخر.
ثامناً: حالات سقوط حق الزوجة في النفقة حق الزوجة في النفقة يسقط بالآتي : (الأداء) دفع الزوج النفقات التي عليه لزوجته. (الإبراء) تنازل الدائن ( الزوجة ) عن حقها في ذمة المدين (الزوج). وهناك أسباب أخرى وهي : في حال منعت الزوجة نفسها عن الزوج. في حال رفضت الزوج أن تنتقل لبيت زوجها أو المبيت فيه بلا مسوغ أو عذر مقبول. إذا رفضت الزوجة السفر مع الزوج بلا عذر مقبول.
تاسعاً: أقصى مدة سابقة مسموح بها لسماع دعوى نفقة الزوجية دعوى نفقة الزوجية تُسمع عن مدة سابقة حوالي سنتين فما أدنى من تاريخ إقامة الدعوى.
عاشراً: حالات وجوب النفقة للمعتدة من طلاق رجعي وللمعتدة من طلاق بائن وللمعتدة من الوفاة المعتدة من طلاق بائن نفقتها تجب في حال كانت حاملاً إلى تاريخ وضعها، فنفقتها لن تتجاوز غالباً تسعة أشهر كحد أقصى. ودليل ذلك قوله تعالى في كتابه العزيز : " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ". أما المعتدة من طلاق رجعي فنفقتها تجب إلى حين انتهاء عدتها، بيد أنه لا نفقه للمعتدة من وفاة زوجها إذا كانت حاملاً، فوقتها نفقتها تجب من مال الحمل حتى تضع حملها.
ولكن يثور التساؤل ماذا لو لم يكن للحمل مال؟ حينها تكون النفقة مسؤولية وارث الحمل، مع وجوب حقها في السكن في بيت الزوجية طيلة فترة العدة.
حادي عشر : شروط مسكن الزوجية امتثالاً لقوله تعالى : "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ" فيتوجب على الزوج أن يُسكن زوجته في مسكن الزوجية الملائم لها. ويقصد بالملائم أو المناسب أن يكون السكن مستقلاً، بحيث تأمن الزوجة على مالها ونفسها فيه عند خروج زوجها لعمله وبقائها وحدها، والجدير بالذكر أنه يستوجب أن يكون المسكن لائقاً بمستواها المادي من يسار أو عسر بحسب ما تقرره العادة والعرف، والجدير بالذكر أن للزوجة الحق أن تشترط في عقد الزواج خلاف ذلك.
ثاني عشر : حقوق كل من الزوج والزوجة في إسكان ذوي القربى في بيت الزوجية فيما يتعلق بالزوج فيحق له أن يُسكن في بيت الزوجية الآتي : والديه. أولاده من غيرها في حال سبق له الزواج أو كان مكلفاً بالإنفاق عليهم. بيد أنه يتعين ألا تضار الزوجة من ذلك. أما فيما يتعلق بالزوجة، فيحق لها أن تُسكن معها في بيت الزوجية الآتي : أولادها من غير الزوج ( في حال سبق لها الزواج) إذا لم يكن لهم حاضن غيرها أو أنهم يتضررون من مفارقتها، أو في حال رضى الزوج بذلك صراحة أو ضمناً. ويكون للزوج حق العدول بعد الموافقة إذا لحقه ضرر من ذلك.
ثالث عشر : نفقة الولد الذي لا مال له تجب نفقة الولد الذي لا مال له على الأب وحده إذا كان وضعه المالي متيسراً أو كان قادراً على التكسب، وتلك النفقة تظل واجبة إلى أن يصل الابن إلى السن الذي يكون فيه قادراً على التكسب. وعمل من هو في مثل سن الابن هو معيار تقدير سن القدرة على التكسب، وفيما يتعلق بالبنت فيتوقف الأب عن نفقتها حين تتزوج.
المحامي:
عبدالعزيز الجعيثن